کد مطلب:370272 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:707

الفصل الأول الخوارج فی البلاد والقبائل














الصفحة 102












الصفحة 103


تأثیر علی (علیه السلام) فی خوارج الكوفة:


لقد ظهر «الخوارج» ـ أول ما ظهروا ـ فی شرقی الدولة الإسلامیة، فی مناطق العراق، وخصوصاً فی منطقة البصرة والكوفة، ثم بدأوا یظهرون فی بقیة المناطق.


غیر أن نظرة فاحصة نلقیها على كل من خوارج البصرة والكوفة تعطینا: أن ثمة فروقاً فیما بینهما فی كل من المنطقتین. ولعل ذلك یرجع إلى تأثیر علی (علیه السلام) فی أهل الكوفة؛ لأنه قد عاش فیما بینهم برهة، وعرفوه عن كثب، ولم یكن ـ والحالة هذه ـ من السهل تضلیلهم فی شأن علی (علیه السلام)، وفی سلوكه، وسیرته ومواقفه.


هذا بالإضافة إلى تأثیر المبادئ الصافیة التی أشاعها (علیه الصلاة والسلام) فیما بینهم، حیث تركت لها آثاراً بارزة فی عقلیة وحیاة الكثیرین منهم، وإن كان یختلف ذلك ویتفاوت، بسبب اختلاف الظروف، والحالات بالنسبة لفردٍ وآخر، وفریق أو قبیلة. بالنسبة إلى فریق أو قبیلة أخرى.












الصفحة 104


خوارج البصرة أكثر عدداً:


وعلى هذا الأساس أیضاً یمكن تفسیر ظاهرة قلة «الخوارج» فی منطقة الكوفة بالنسبة إلى خوارج البصرة. فإن أهل البصرة كانوا یعانون من عقدة ما جرى لهم فی حرب الجمل، التی سجل فیها علی (علیه السلام) نصراً ساحقاً وحاسماً، وكانت لهم فیها هزیمة قبیحة وفاضحة ومنكرة.


والبصریون أیضاً لم یعیشوا مع علی، ولا عرفوا الكثیر عنه، وعن مبادئه، ومواقفه، وسلوكیاته.


خوارج الكوفة أكثر استعداداً للحوار:


والظاهرة التی نلمح إلیها بصورة عابرة هنا هی: أن خوارج الكوفة ـ بفعل تأثیر علی (علیه الصلاة والسلام) فیهم أیضاً كانوا ـ فیما یظهر ـ أكثر استعداداً للحوار، وأكثر تفاعلاً معه.


فلا عجب إذن إذا كثر فیهم الراجعون إلى أمیر المؤمنین (علیه السلام)، والمتراجعون عن مواقفهم منهم. أو الشاكون والمترددون بعد حوار موضوعی بنّاء ومقنع، بخلاف حال خوارج منطقة البصرة الذین كانوا اكثر اندفاعاً نحو الجریمة وأشد امعاناً فی اللجاج والعناد.


ومهما یكن من أمر، فإن البصرة والكوفة كانتا معقلهم الأساس فی بدایة ظهورهم، ثم إنهم كثروا بعد ذلك، وظهروا فی مناطق مختلفة، ثم انحسروا لیستقر بهم الأمر فی مناطق بعیدة عن مراكز القرار، غرباء عن مواقع الحركة السیاسیة والحضاریة، والثقافیة، حتى كان آخرهم لصوصاً سلابین على حد تعبیر أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام).












الصفحة 105


مناطق «الخوارج»:


ومهما یكن، فإن «الخوارج» قد انتشروا فی العدید من المناطق فی شرق الدولة الإسلامیة، مثل: كرمان، وفارس، وغیرها.


وقد استولوا فی بعض الفترات على الیمامة، وحضرموت، والیمن، والطائف.


ویقول ابن خلدون: «وكان بنواحی البحرین وعمان إلى بلاد حضرموت، وشرقی الیمن، ونواحی الموصل آثار تفشی وعروق فی كل دولة، إلى أن خرج علی بن مهدی من خولان بالیمن، ودعا إلى هذه النحلة، وغلب یومئذٍ من كان من الملوك بالیمن، واستلحم بنی الصلحی القائمین بدعوة العبیدیین من الشیعة، وغلبوهم على ما كان بأیدیهم من ممالك الیمن، واستولوا أیضاً على زبید ونواحیها من ید موالی بنی نجاح، ومولى ابن زیاد..


إلى أن قال: ویقال: إن بالیمن لهذا العهد شیعة من هذه الدعوة ببلاد حضرموت، والله یضل من یشاء، ویهدی من یشاء..»(1).


وقال المجلسی: «صاروا نحواً من عشرین فرقة. وكبارها ست: الأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق، وهم أكبر الفرق، غلبوا على الأهواز وبعض بلاد فارس وكرمان فی أیام عبد الله بن الزبیر.


والنجدات، رئیسهم نجدة بن عامر الحنفی.


والبهیسیة أصحاب أبی بیهس هیصم بن جابر، وكان بالحجاز، وقتل فی زمن الولید.


____________



(1) تاریخ ابن خلدون ج3 ص170.













الصفحة 106


والعجاردة أصحاب عبد الكریم بن عجرد.


والإباضیة أصحاب عبد الله بن إباض قتل فی أیام مروان بن محمد.


والثعالبة أصحاب ثعلبة بن عامر»(1).


وقال المسعودی: «.. وذكرنا مواضعهم من الأرض فی هذا الوقت مثل من سكن منهم من بلاد شهرزور، وسجستان، واصطخر، من بلاد فارس، وبلاد كرمان، وأذربیجان، وبلاد مكران، وجبال عمان، وهراة من بلاد خراسان، والجزیرة، وتاهرت السفلى، وغیرها من بقاع الأرض»(2).


وقال المعتزلی: «.. ویقال: إن فی عمان وما والاها، من صحار وما یجری مجراها قوماً یعتقدونه فیه ما كانت «الخوارج» تعتقده فیه، وأنا أبرأ إلى الله منهما»(3).


والخلاصة: أن «الخوارج» كانوا متواجدین بشكلٍ وبآخر فی فترات تاریخیة تختلف وتتفاوت فی العدید من المناطق مثل: فارس، ومكران، وعُمان، والیمامة، ونواحیها إلى حضرموت، وهجر، والموصل، وعامة أرض الیمن، والجزیرة، وسجستان، وخراسان، وكرمان، وقهستان(4).


____________



(1) بحار الأنوار ـ ط قدیم ج8 ص572.


(2) مروج الذهب ج3 ص193.


(3) شرح النهج ج18 ص282.


(4) راجع فیما تقدم، كلاً أو بعضاً، المصادر التالیة: جمهرة أنساب العرب ص322، والفرق بین الفرق ص85 و98و99 وتاریخ الیعقوبی ج2 ص272/273 والبحر الزخار ج1 ص42 وأنساب الأشراف ج4 ص28 والحور العین ص202 والملل والنحل ج1 ص118و119و124 وراجع: نظرة عامة فی تاریخ الفقه الإسلامی ص174 والعقود الفضیة ص66 عن الموسوعة العربیة المیسرة.













الصفحة 107


وهذه الأربعة الأخیرة كانوا على مذهب عطیة، كما أن «عامة الشیبانیة بجرجان، ونسا، وأرمینیة»(1).


وقد وصف الأصمعی الأمصار فی زمنه، فقال: «البصرة كلها عثمانیة، والكوفة كلها علویة، والشام كلها أمویة، والجزیرة خارجیة، والحجاز سنة»(2).


والتعلیل الذی أورده ابن عبد ربه هو: «والجزیرة خارجیة، لأنها مسكن ربیعة، وهی رأس كل فتنة»(3).


وعلى حسب نص المعتزلی: «وأما الجزیرة فحروریة مارقة، والخارجیة فیهم فاشیة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى»(4).


وقال محمد بن علی العباسی زعیم الحركة العباسیة لدعاته: «أما الكوفة وسوادها، فهناك شیعة علی وولده، وأما البصرة وسوادها فعثمانیة، وأما الجزیرة فحروریة مارقة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى»(5). ونقل عن الأصمعی أیضاً ما یقرب من هذا(6).


____________



(1) الملل والنحل ج1 ص133.


(2) العقد الفرید ج6 ص248.


(3) العقد الفرید ج6 ص248.


(4) شرح نهج البلاغة، لابن أبی الحدید المعتزلی ج15 ص293.


(5) معجم البلدان للحموی ج2 ص352 وأحسن التقاسیم ص293 وعیون الأخبار لابن قتیبة ج1 ص204 والسیادة العربیة والشیعة والإسرائیلیات ص93 وراجع الحضارة الإسلامیة فی القرن الرابع الهجری ج1 ص102.


(6) روض الأخیار المنتخب من ربیع الأبرار ص67 والعقد الفرید ـ ط دار الكتاب العربی ج6 ص248.













الصفحة 108


وقال الأشعری: «.. والكور الغالب علیها الخارجیة: الجزیرة، والموصل، وعمان، وحضرموت، ونواح من المغرب، ونواح من خراسان.


وقد كان لرجل من الصفریة سلطان فی موضع یقال له: سجلماسة، على طریق غانة»(1).


وجاء فی سیاق كلام أحمد أمین المصری: «كانوا فرعین: فرعاً بالعراق وما حولها. وكان أهم مركز لهم البطائح، بالقرب من البصرة، وقد استولوا على كرمان، وبلاد فارس، وهددوا البصرة... إلى أن قال: وفرعاً بجزیرة العرب، استولوا على الیمامة وحضرموت، والیمن والطائف»(2).


لابد من الدقة:


إننا نعتقد أن ما یذكرونه من تواجد «الخوارج» فی المناطق المشار إلیها تعوزه الدقة، والموضوعیة..


ولعلنا نلمس بعض المیل إلى تضخیم أمر «الخوارج»، واعتبارهم ثواراً حقیقیین تجسدت فیهم آمال الجماهیر، فانساقت وراءهم، حیث استهوتها شعاراتهم، وبهرتها مواقفهم وبطولاتهم، لاسیما وأنها لمست فیهم الصلابة فی الدفاع عن الدین والحق، وعن المظلومین.


ولكننا إذا راجعنا وقائع التاریخ، لاسیما تاریخ «الخوارج»، نجد: أنهم بسبب ما ظهر منهم، قسوة وعنف قد أثاروا جواً من الرعب والخوف


____________



(1) مقالات الإسلامیین ج1 ص191.


(2) فجر الإسلام ص257/258.













الصفحة 109


والإحباط لدى عامة الناس الأبریاء. إلى حد لم یعد یمكن اعتبار استیلائهم على بعض البلاد یمثل استجابة لحالة شعبیة، أو یعكس رضى عامة الناس، أو یدل على قبولهم للعقیدة الخارجیة. فإن الناس كانوا یحبون السلامة. وكانت شراذم «الخوارج» لا ترحم أحداً، ولا ترثی لحال أحد، فهی تستحل دماء الناس حتى الطفل الصغیر، والشیخ الكبیر لأتفه الأسباب، بل وبدون سبب على الإطلاق. ولم تقتصر حالة الخوف هذه على القرن الأول الهجری، بل استمرت إلى ما بعد كسر شوكة «الخوارج» بعد عشرات بل مئات السنین من ذلك، حتى لنجد أن الفضل بن شاذان المتوفی سنة 260هـ.ق «كان برستاق بیهق، فورد خبر «الخوارج»، فهرب منهم، فأصابه التعب من خشونة السفر؛ فاعتل ومات»(1).


«الخوارج» فی إفریقیة:


والظاهر أن إفریقیة لم تعرفهم إلا فی عهد العباسیین، غیر أنهم یقولون: إن عكرمة هو سبب نشر الصفریة فی بلاد المغرب، مما یعنی: أنهم انتشروا فی المغرب فی وقت متقدم أی منذ عهد الدولة الأمویة أیضاً. وقد انتشر مذهب الإباضیة منهم فی شمال إفریقیة، ثم فی الساحل الشرقی لإفریقیة(2).


وقال الذهبی: «.. وخوارج المغرب إباضیة، منسوبون إلى عبد الله بن یحیى بن إباض، الذی خرج فی أیام مروان الحمار، وانتشر أتباعه بالمغرب»(3).


____________



(1) إختیار معرفة الرجال ص543.


(2) راجع: دائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص474..


(3) سیر أعلام النبلاء ج15 ص153.













الصفحة 110


وكان مخلد بن كیداد رأس الإباضیة، قد ظهر على أغلب المغرب، ولم یبق لبنی عبید سوى المهدیة(1).


وقد قال الذهبی عن مخلد هذا: «كاد أن یمتلك العالم»(2).


ونص آخر یقول عن الإباضیة: «هی فرقة خارجیة، لاتزال قائمة فی بلاد طرابلس، وفی زنجبار، وعمان»(3).


ویقول آخر: «وهناك إباضیون حتى الیوم فی عمان، والجزائر، وزنجبار»(4).


وقد تقدم قول الأشعری، حول تواجد «الخوارج» فی نواحٍ من المغرب، وأنه: «كان لرجل من الصفریة سلطان فی سجلماسة، على طریق غانة».


«الخوارج» فی القبائل وبنی تمیم:


إن مراجعة النصوص التاریخیة تعطی: أن غالبیة «الخوارج» كانوا من بنی تمیم(5).


ویذكر المؤرخون هنا: أنه قد كان فی الأزد، وهمدان، وبكر، وغیرهم خوارج(6) أیضاً.


____________



(1) سیر أعلام النبلاء ج15 ص156.


(2) سیر أعلام النبلاء ج15 ص153.


(3) نظرة عامة فی تاریخ الفقه الإسلامی ص174.


(4) العقود الفضیة ص66 عن الموسوعة العربیة المیسرة.


(5) قضایا فی التاریخ الإسلامی ص37و68 عن العبر ج3 ص145 وعن الطبری ج5 ص516 وعن فجر الإسلام ص256.


(6) جمهرة أنساب العرب ص364 والاخبار الطوال ص197 وتاریخ الدولة العربیة ص78 وقضایا فی التاریخ الإسلامی ص38.


 













الصفحة 111


وذكرت بعض المصادر: أن أهل عمان إباضیة، وأئمتهم من الأزد. ومن الإباضیة بالیمن طائفة من همدان فی مغارب همدان. وفی حضرموت طائفة من «الخوارج»، من بشق، بطن من همدان(1).


ویستظهر الجاحظ: أن بنی صریم ـ وهم من بنی تمیم ـ كانوا من «الخوارج» أیضاً(2).


والظاهر هو أن أكثر «الخوارج» كانوا من بنی تمیم، من ربیعة الیمن(3).


ولعل ذلك یفسر لنا ما ورد من أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قد وصف مسجداً لبنی تمیم بأنه بیعة(4).


وكان «الخوارج» فی البربر أیضاً، فإن بنی برزال وبنی واشین إباضیة(5).


ویقول الذهبی عن البریر: «ثم كان الذین أسلموا خوارج وإباضیة، حاربوا مرات، وراموا الملك، إلى أن سار إلیهم داعی المهدی، فاستمالهم، وأفسد عقائدهم»(6).


دور العرقیة فی مواقف ربیعة:


ویقولون: إن ربیعة الیمن كانت تتحرك على أساس عرقی فی هذا


____________



(1) الحور العین ص202و203.


(2) البیان والتبیین ج1 ص206.


(3) راجع: تاریخ الإسلام السیاسی ج1 ص397 وقضایا فی التاریخ الإسلامی ص68و71 وضحى الإسلام ج3 ص332 والخوارج والشیعة ص74 ودائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص470 وتعلیقات الدكتور مشكور على كتاب: المقالات والفرق ص130.


(4) المصنف للصنعانی ج3 ص153.


(5) جمهرة أنساب العرب ص488.


(6) سیر أعلام النبلاء ج18 ص429.













الصفحة 112


المجال.


وبذلك فسروا قول الأصمعی: «.. والجزیرة خارجیة، لأنها مسكن ربیعة. وهی رأس كل فتنة»(1).


وتقدم: أن علی بن عبد الله بن العباس قد اعتبر الجزیرة خارجیة مارقة، ومسلمین أخلاقهم كأخلاق النصارى..


وقال هارون الرشید لیزید بن مزید: «ما أكثر الخلفاء من ربیعة؛ قال: بلى، ولكن منابرهم الجذوع»(2).


فیرى البعض أن: «.. من أعظم هذه الأمور التی حفزتهم على الخروج غیر الحق الذی اعتقدوه: أنهم كانوا یحسدون قریشاً على استیلائهم على الخلافة، واستبدادهم بها دون الناس. والدلیل على ذلك: أن أكثرهم من القبائل الربعیة التی قامت بینها وبین القبائل المضریة الإحن الجاهلیة، التی خفف الإسلام من حدتها، ولم یذهب بكل قوتها، بل بقیت منها آثار غیر قلیلة مستمكنة فی النفوس»..


إلى أن قال: «وإذا كان كذلك؛ فلابد وأن نتصور: أن الخوارج وأكثرهم ربعیون رأوا الخلفاء من مضر، فنفروا من حكمهم، واتجهوا فی تفكیرهم نحو الخلافة تحت ظل هذا النفور، من حیث لا یشعرون الخ..»(3).


ویقول أیضاً: «.. والحق أن مبادئهم مظهر واضح لتفكیرهم، وسذاجة عقولهم، ونظراتهم السطحیة، ونقمتهم على قریش، وكل القبائل المضریة..»(4).


____________



(1) روض الأخیار المنتخب من ربیع الأبرار ص67 والعقد الفرید ج6 ص248.


(2) العقد الفرید ج6 ص248.


(3) راجع: تاریخ المذاهب الإسلامیة ص69/70.


(4) المصدر السابق ص71.













الصفحة 113


أما بروكلمان، فیقول عن حركة الخوارج: «أطلعت رأسها الآن فی الجزیرة الشمالیة، بین قبائل ربیعة، التی كانت تنفس على قریش بالخلافة»(1).


هذا.. ولربما یمكن الاستشهاد لما أشار إلیه هؤلاء بما كان من أبی حمزة الخارجی، حینما غزا المدینة، حیث كان یقتل القرشی، ویدع الأنصاری، كما ذكره المؤرخون.


ربیعة مظلومة:


ولكننا لا نستطیع أن نوافق هؤلاء على مبالغاتهم هذه فی اتهام ربیعة، وتأثیر العرقیة، فیها وإن كنا لا ننكر وجود تأثیر للعرقیة بدرجة ما..


ولعل ربیعة الذین كانوا من سكان الجزیرة هم الذین اتجهوا نحو نحلة «الخوارج».. دون سائر قبائل ربیعة، فإن تعمیم الكلام لربیعة كلها بعید عن الإنصاف والموضوعیة، ولعل هذا التصمیم على الإجحاف فی حق ربیعة، قد جاء على سبیل المضادة والإدانة لموقف علی (علیه السلام).


وذلك لأن عماد عسكر علی (علیه السلام) كان ربیعة ومضر، وإن كان جیشه (صلوات الله وسلامه علیه) لم یخل من بعض القبائل الیمانیة، مثل كندة، ومذحج، وهمدان، وطی، وغیرهم.


وقد استمر وفاء ربیعة لمبادئها بصورة أزعجت الحكم الأموی.


یقول المرزبانی:


____________



(1) تاریخ الشعوب الإسلامیة ص164.













الصفحة 114


«قال أبو عبیدة: ولما قتل علی بن أبی طالب أراد معاویة الناس على بیعة یزید؛ فتثاقلت ربیعة، ولحقت بعبد القیس فی البحرین، واجتمعت بكر بن وائل إلى خالد بن المعتمر»(1).


فلما تثاقلت ربیعة تثاقلت العرب أیضاً؛ فضاق معاویة بذلك ذرعاً، فبعث إلى خالد؛ فقدم علیه؛ فلما دخل علیه رحب به وقال: «كیف ما نحن فیه؟


قال: أرى ملكاً طریفاً، وبغضاً تلیداً.


فقال معاویة: قل ما بدالك، فقد عفونا عنك، ولكن ما بال ربیعة أول الناس فی حربنا،وآخرهم فی سلمنا؟»(2).


وقال المرزبانی: «كان حمیداً بلیغاً، اجتمعت علیه ربیعة بعد موت علی، لما حلف معاویة أن یسبی ربیعة، ویبیع ذراریهم لمسارعتهم إلى علی، فقال خالد»(3):


 

















أما فی ابن حرب حلفة فی نسائنا ودون الذی ینوی سیوف قواضب
سیوف نطاق والقناة فتستقی سوى بعلها بعلاً وتبكی الغرائب
فإن كنت لا تغضی على الحنث فاعترف بحرب شجى بین اللها والشوارب



قال فیه أیضاً، وقد ذكر له علیاً:


 













معاوی لا تجهل علینا فإننا نذلك(4) فی الیوم العصیب معاویاً
ودع عنك شیخاً قد مضى لسبیله على أی حالیه مصیباً وخاطبیاً(5)



____________



(1) راجع الخوارج فی العصر العباسی ص67 عن المعتزلی فی شرح النهج ج1 ص502 ـ ط الحلبی ـ وكتاب صفین للمنقری ص205 والكامل للمبرد ج3 ص909.


(2) تهذیب تاریخ دمشق ج5 ص92.


(3) هو خالد بن ربیعة، بن مر، بن حارثة.


(4) فی الإصابة: ید لك.


(5) تهذیب تاریخ دمشق ج5 ص37 والإصابة ج1 ص460. والقضیة فی كتاب صفین للمنقری ص294 ولكن باختلاف كثیر، فلتراجع..













الصفحة 115


وقال علی (علیه السلام) لربیعة فی صفین: «أنتم درعی ورمحی»(1).


وحینما طعن الإمام الحسن (علیه السلام)، من قبل المتمردین علیه فی جیشه، «دعا ربیعة وهمدان، فأطافوا به، ومنعوه؛ فسار، ومعه شوب من غیرهم»(2).


وجاء فی كتاب من أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلى ابن عباس: «.. وانته إلى أمری ولا تعده، وأحسن إلى هذا الحی من ربیعة..»(3).


وفی حرب صفین قال (علیه السلام): «.. أما بعد، یا معشر ربیعة، فأنتم أنصاری، ومجیبو دعوتی، ومن أوثق حی فی العرب فی نفسی»(4).


وفی مقام آخر فی صفین، یسأل (علیه السلام): «لمن هذه الرایات؟ قلنا: رایات ربیعة. قال: بل هی رایات الله، عصم الله أهلها وصبرهم، وثبت أقدامهم»(5).


وقال عمرو بن العاص لمعاویة فی صفین: «إن أصبحت ربیعة متعطفین حول علی تعطف الإبل حول فحلها، لقیت منهم جلاداً صادقاً، وبأساً شدیداًً..» إلى أن قال النص التاریخی: فلما نظر معاویة إلیهم قد أقبلوا قال:


 









إن قلت قد ولت ربیعة أقبلت كتائب منهم كالجبال تجالد



____________



(1) مروج الذهب ج2 ص386 وكتاب صفین للمنقری ص402 والأخبار الطوال ص186.


(2) كشف الغمة للأربلی ج2 ص166 وراجع: الأخبار الطوال ص217 والإرشاد للمفید ص209، وشرح النهج للمعتزلی ج16 ص41.


(3) كتاب صفین للمنقری ص105.


(4) المصدر السابق ص287.


(5) المصدر السابق ص288.













الصفحة 116


وكانت النتیجة:»أن فر معاویة عن سرادقه إلى بعض مضارب العسكر، خوفاً من ربیعة»(1).


وفی نص آخر: «وذكروا: أن علیاً كان لا یعدل بربیعة أحداً من الناس»(2).


وقد أساءت له مضر(3) وخذلته بسبب ذلك، ووقفوا على الحیاد حتى قال: «ألیس من العجب أن ینصرنی الأزد وتخذلنی مضر؟!»(4).


وقال المسعودی: «.. ولعلی فی ربیعة كلام كثیر، یمدحهم فیه، ویرثیهم، شعراً، ومنثوراً. وقد كانوا أنصاره وأعوانه، والركن المنیع من أركانه، فمن ذلك بعض قوله یوم صفین» ثم یذكر الأبیات التی یذكر ویمدح فیها حضین بن المنذر:


 









لمن رایة سوداء یخفق ظلها إذا قیل: قدمها، حضین تقدما



ومن جملتها قوله:


 

















جزى الله قوماً قاتلوا فی لقائه لدى الموت قدماً، ما أعز وأكرما
وأطیب أخباراً، وأكرم شیمة إذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربیعة أعنی، إنهم أهل نجدةٍ وبأسٍ إذا لاقوا خمیساً عرمرما(5)



كما أننا نجده فی حرب الجمل، قد اشتد حزنه (علیه الصلاة والسلام) على من قتلهم طلحة والزبیر من ربیعة، قبل وروده (علیه السلام)


____________



(1) المصدر السابق ص305 و306.


(2) المصدر السابق ص308.


(3) المصدر السابق.


(4) عن شرح النهج للمعتزلی ج4 ص46.


(5) مروج الذهب ج3 ص48، والأبیات موجودة فی تاریخ الطبری ج4 ص26، وكتاب صفین للمنقری ص289.













الصفحة 117


البصرة؛ وكان یكثر من قوله:


 









یا لهف نفسی على ربیعة ربیعة السامعة المطیعة(1)



ولما أراد أهل الكوفة، بعد موت یزید بن معاویة لعنه الله تعالى أن یؤمروا علیهم عمر بن سعد لعنه الله، حتى ینظروا فی أمرهم، جاءت نساء همدان، وربیعة، وكهلان، والأنصار، والنخع إلى الجامع الأعظم صارخات، باكیات، معولات، یندبن الحسین، ویقلن: أما رضی عمر بن سعد بقتل الحسین، حتى أراد أن یكون أمیراً علینا، على الكوفة؟!.. فبكى الناس، وأعرضوا عنه»(2).


وحینما أراد ابن عامر انتخاب ثلاثة آلاف من الشیعة لحرب «الخوارج»، نجد أن قائده شریك بن الأعور قد ألحّ على فرسان ربیعة [أی أخرج الأكثر منهم] الذین كان رأیهم فی الشیعة، وكانت تجیبه العظماء منهم»(3).


ومهما یكن من أمر؛ فإن النصوص المتقدمة، تفیدنا أمرین:


أحدهما: أن ربیعة كانت فی جانب أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وكان لمواقفها النضالیة آثاراً عمیقة على معاویة، وعلى سائر خصوم علی (علیه السلام)، وكانت درع علی (علیه السلام) ورمحه.


الثانی: أن الحكام الأمویین والعباسیین، كانوا ـ على حد سواء ـ یكنون الحقد والبغض لربیعة، بما لا مزید علیه. حتى إن هشام بن عبد الملك یرفض الاستعانة بربعی، ویقول:


____________



(1) مروج الذهب ج2 ص369.


(2) مروج الذهب ج2 ص105 ومقتل الحسین للمقرم ص246 عنه.


(3) تاریخ الطبری ج4 ص148 وراجع: الكامل لابن الأثیر ج4 ص431.













الصفحة 118


«لا حاجة لی فیه؛ لأن ربیعة لا تسد بها الثغور»(1).


وتقدم: أن تثاقل ربیعة عن البیعة لیزید، قد نشأ عنه تثاقل العرب عنها، وهذا ما لا یمكن لمعاویة أن یغفره، أو أن یتغاضى عنه على الإطلاق.


وتقدم أیضاً: أنهم كانوا أول الناس فی بغض معاویة وحربه، وآخر الناس فی سلمهم.


وأن معاویة قد حلف أن یسبی ربیعة، ویبیع ذراریهم لمسارعتهم إلى علی (علیه السلام).


كما أن العباسیین وأنصارهم یشنون حملات شعواء على ربیعة، حتى إن الأصمعی یعتبر ربیعة رأس كل فتنة وتقدم رأی علی بن عبد الله بن العباس فیها.. وتقدمت محاورة الرشید مع یزید بن مزید.. الأمر الذی یدل على أن ربیعة كانت مصدر متاعب كبیرة لأولئك الحكام، الأمویین والعباسیین على حد سواء، وأنهم كانوا یرونها مصدر كل بلاء وشر لهم.


وفی كلام الرشید المتقدم: أن أكثر منابرهم الجذوع ما یفید أن طلاب الحكم والسلطان فی ربیعة كانوا كثیرین، وإن كانت نهایاتهم هی القتل والصلب فی أكثر، أو فی جمیع الأحیان..


وطبیعی أن طلبهم للحكم والسلطان، وما یلازم ذلك من حركات مسلّحة، وثورات لم یكن لیحظى بإعجاب السلطات الحاكمة، ولا لیروق لها.


____________



(1) الأخبار الطوال، ص340، وراجع ص141.













الصفحة 119


وهكذا.. فإننا بعد كل ما تقدم لا یمكن أن نطمئن إلى صحة تعلیلاتهم التی حاولوا بها توجیه كثرة «الخوارج» من ربیعة، مادام أن أصل القول بأن یكون غالب «الخوارج» منهم محل شك وریب كبیریب.


وإن كنا لا نستبعد أن یكون بعض الربعیین قد انضموا إلى صفوف «الخوارج»، رغبة فی حرب الأمویین لأسباب عدیدة، أهمها ما یرونه من انحراف الأمویین عن الإسلام.. ثم اضطهادهم لهم بسبب نصرتهم لعلی،.. وكذلك بسبب یمانیتهم.


فقد قال هشام بن عبد الملك: «لا حاجة لی فی الیمانیة ـ وكان هشام یبغض الیمانیة، وكذلك سائر بنی أمیة»(1).


فلأجل قحطانیتهم، ولأجل أن «الخوارج» الیمانیة قد قویت شوكتهم. ولأن الأنصار محبی علی (علیه السلام) كان اكثرهم من الیمانیة أیضاً. ـ نعم من أجل ذلك كله ـ ازاداد كره الأمویین وغیرهم من أعداء علی (علیه السلام) لهم، فصاروا یصفونهم بالخارجیة ربما لیجدوا السبیل لملاحقتهم، والقضاء علیهم.


____________



(1) الأخبار الطوال ص340.













الصفحة 120












الصفحة 121